فوائد إيمانيه للمشكلة الزوجية
(1) تكفير الذنوب:
إذا نظر الزوجان إلى المشاكل الزوجية بهذا المنظار وكانا حريصين على التطهرمن ذنوبهما والتقرب إلى الله تعالى ، عرفا كيف يتعاملان مع المشكلة ، وينظران إليها على اعتبار أنها مساحة من مساحات ذنوبهما
، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما قال:" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري.
فكم من هم يصيب الزوجين ؟!
وكم من غم يصيبهما ؟!
وكم من حزن وأذى ؟! بسبب علاقتهما أو سوء فهم أحدهما للآخر أو بسبب الخلاف على نزهة أو نفقة أو تربية أبناء أو غير ذلك ؟! فكل ذلك فيه تكفير ومسح للذنوب..
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله ت عالة وما عليه خطيئة " رواه الترمزي،وقال: حديث صحيح – صحيح الجامع الصغير جـ 5/ 192 وهذه بشارة من الحبيب محمد بأن كل ما يصيب الزوجين في أنفسهما أو أولادهما أو أموالهما إنما هو تكفير لذنوبهما، وبشارة بأن يلقيا الله وما عليهما خطيئة،وقد نزلت آية في المهاجرين تبين أن ما مروا به من تقلببات الحياة ومعاناتها ، فيه مغفرة
، قال تعالى: ) للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)سورة النحل/110.
وقد قال القرافي في الفتح:" المصائب كفارات جزماً سواء اقترن بها الرضى أم لا !ولكن إن اقترن بها الرضة عظم التكفير ، و إلا قل" فتح الباري لابن حجر جـ10/105.
ويبين هنا القرافي رحمه الله أن المصائب تكفر الذنوب ، وإن لم يتوفر معها الرضى بالقدر،ولكنه لو توفر لزاد التكفير وحو الذنوب .
(2) مضاعفة الأجر:
وكما أن المشاكل الزوجية تكفر الذنوب فكذلك هي تزيد في الحسنات والأجر وهذا ما أخبر به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال:"من يرد الله به خيراً يصب منه"راوه البخاري .
ومعنى " خيراً " أي الأجر العظيم، ومعنى" يصب منه " أي يبتليه، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء عليهم السلام وهم أرفع الناس ددرجات وأعظمهم أجراً ، وكل خلاف زوجي أو مشكلة عائلية، فإن الله تعالى يعطي للزوجين عليها الأجر العظيم ،
ونحن من كلامنا هذا لا نتمنى البلاء والمشاكل الزوجية، ولكن نريد أن نتعلم كيف نتعامل معها إذا جاءت بنفس راضية مطمئنة.
ولقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى عندما سئل هل المصائب مكفرات أو مثيبات )
فقال إن كل ما تولد عن عمله الصالح " أي المسلم " من المصائب أثيب عليه، بخلاف المصائب التي لم تتولد عن عمله، فإنها مكفرات لا مثيبات " تسلية أهل المصائب لابن الجوزي/164 .
وهنا لفتة لطيفة حيث أكد رحمه الله أن كل ما تولد من المصائب عن عمل صالح فهي مثيبة أي ينال عليها الأجر، والعلاقات الزوجية كلها عمل صالح من كسب رزق واهتمام بالبيت وتربية الأولاد ،
وغيرها من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها الزوجان إذا استشعرا هذا المعنى .
(3) محبة الله:
إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، ومن الابتلاء المشاكل الزوجية، ولو تتببعنا حياة الأنبياء، لرأينا أنهم قد ابتلوا بأسرهم، فمن آدم عليه السلام وابتلائه المشهور مع زوجته في الجنة وابنيه عندما قتل أحدهما الآخر
، إلى نوح عليه السلام وابتلائه مع زوجته وابنه، ثم ابراهيم عليه السلام وما ابتلاه الله تعالى به من أن زوجته سارة لم تنجب له الولد، فزوجته بهاجر ، ثم لو ط – عليه السلام وابتلائه بزوجته الكافرة ، فيعقوب عليه السلام وابتلائه في أبنائه ورميهم لشقيقهم يوسف عليه السلام في الجب
، ثم موسى عليه السلام ومعاناته الأسرية المعروفة مع أمه، وكيف أنه نشأ في بيت لا أب له فيه، ثم عيسى عليه السلام وقد جاء من أم بلا أب وذلك بحد ذاته فتنة وابتلاء، ثم محمدr ومواقفه مع زوجاته معروفة و واضحة، وما من أحد من بين الأنبياء والصالحين والصالحات على مر العصور إلا وابتلاهم الله تعالى لمحبته لهم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام:" إن عظيم الجزاء مع عظيم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ". رواه الترمزي وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير جـ 2/216.
فالله تبارك وتعالى إذا أحب الزوجين ابتلاهما ، ومن الابتلاء المشاكل الزوجية وذلك ليرفع درجتهما ويزيد من حسناتها ويكفر سيئاتهما فيجمعهما في الدنيا والآخرة في الجنات العلى،ولهذا قال الفضيل رحمه الله: " إذا أحب الله عبداً أكثر غمه ، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه " وفيات الأعيان لابن خلكان جـ4/48.
(4) للتأديب والتمحيص:
أحيانا ًيبتلي الله تعالة الزوجين ليختبرهما أو ليؤدبهما ، يصححا المسـار الزوجي بعد زوال المشكلة التي بينهما، كما قال تعالى: )وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص مـا في قلوبكم والله عليم بذات الصدور(.آل عمران/154.
فليقف الزوجــــان بعـد حـدوث البـلاء وقفـة محاسبـة للنفـس وتمحيـص للأعمـالوالتصرفات ، لأن الإنسان في هذه الدنيا يكون منشغلاً بها، وكأنه في سكرة لا يدري ما يدور حوله أو ما في نفسه ، فإذا نزل عليه البلاء أضطر لأن يقف ويلتف لذاته ويتحسس ما حوله هل كل شيء على مايرام ؟! أم أنه مقصر في شيء معين ؟!.
ولذلك ليقف الزوجان ويسألا أنفسهما عند حدوث مشكلة زوجية وزوالها
الأسئلـة التالية:
أ-هل استوى دعاؤهما لله قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
ب- هل استوى ذكرهما لله قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
جـ- هل استوت مراجعتهما لأنفسهما قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
د- هل استوت محاسبتهما لنفسيهما عن أعمالهما قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
وأسئلة كثيرة لا يدري أهميتها ومنفعتها إلا من حرص على ذلك.
ولهذا نقول ما قاله الشاعر:
دوام الحال من قضايا المحال واللطف موجود على كل حال
وعــــادة الأيــــام معــــودة حرب وسلـم والليالـي سجـال
ثم يختم بقوله و لا يضق صــدرك مـن أزمــة ضاقت فصنع الله رحب المجال
وانظر بلطف العقل كـم كربـة فرجهـا لطفــاً كحــل العقـــــال
" وصايا تربوية /164 ".
(5) بسبب الذنوب
وقد تكون المشاكل الزوجية مما يبتلي به أحــد الزوجين بسـبب ذنـب أحدثــه في حياته، فتكون المشكلة الزوجية عقوبة لذلك الذنب ، وقد بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: ) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( سورة الروم/43.
يبين الله تعالىأن ما يصيب الناس إنما هو بسبب عملهم الفاسد ، وأن الله تعالى لا يقدر شيئاً عبثاً ، ولهذا فإن على الزوجين عند حدوث أي مشكلة زوجية بينهما ، أن يبادرا إلى التوبة والاستغفار ، لأنهما لا يعلمان لماذا ابتلاهما الله تعالى بهذه المشكلة
، هل تكفيراً لسيئاتهما أم زيادة في حسناتهما أم ذنب أحدثاه ؟ فإن كان بسبب ذنب فإن المشكلة ستذهب بعد حدوث التوبة النصوح ، وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال :" إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده " .
ولهذا فإن المشاكل الزوجية تحدث أحياناً من عدم طاعة الزوجة لزوجها، لأن هذا ذنب أو من عدم تقدير الزوج لزوجته ، فهو يهينها ويحقرها ويضربها.. وكذلك هذا ذنب، أو من كسب الزوجين أو أحدهما ماله من الحرام ، فإن هذا ذنب كذلك وهكذا ، وكلما اقترب الزوجان من الله تعالى ، وتعبدا الله تعالى بعلاقتهما الزوجية كلما طرح
الله في علاقتهما البركة ورزقهما السعادة والهناء والاستقرار .
(7) الدفع للاستغفار:
إن الله تعالى يبتلي الزوجين من أجل أن يسمع دعاءهما ، فقد يكون الزوجان معرضين عن الله تعالى مقصرين في علاقتهما مع الله تعالى،والله يحب أن يسمع من عبده أنه محتاج إليه فيدعوه ويسأله ، فيسمع الله تعالى شكواه وتضرعه، وهذا ما أكده ابن الجوزية رحمه الله عندما قال: " والله تبارك وتعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه وصبره ورضاه بما قضاه عليه " تسلية أهل المصائب/158 .
كما أن الله تعالى يقدر للزوجين المشكلة كي يستغفرا ربهما ويكثرا من التوبة ، ثم تزول المشكلة ويكون الزوجان قد خرجا منها من غير ذنوب وهذا شرف لهما
، ومثالنا على ذلك ما وقع فيه نبي الله تعالى يونس – عليه السلام – " حيث ِإنه لم يصبر على تكاليف الرسالة فضاق صدراً بالقوم وألقى عبء الدعوة وذهــب مغاضبــاً ، ضيـق الصـدر ، حـرج النفس، فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين ، ولولا أن تاب إلى ربه وأعترف بظلمه لنفسه ودعوته و واجبه لما فرج عنه هذا الضيق ". طريق الدعوة في ظلال القرآن – أحمد فايز-/305 .
قال تعالى: )و ذا النـون إذ ذهـب مغاضبـاً، فظن أن لن نقدر عليه ، فنادى
في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين( .الأنبياء /87.
فليبنبه الزوجان لهذا المعنى وليكثرا من التضرع لله تعالى إذا حلت بهما مشكلة زوجية أو صدمة أسرية أو منحة عائلية.
(8) التذكير بحقيقة الدنيا:
ومن الفوائد الإيمانية للمشاكل الزوجية رؤية الزوجين للدنيا رؤية حقيقية، وذلك لأن الدنيا ليست دار قرار ولا دار متاع، وإنما هي دار بلاغ و وسيلة للآخرة . والأصل في الإنسان أن لا يطمئن إلى الدنيا فيفوت عليه التحصيل للآخرة ، ولهذا فإن المنغصات للحياة الزوجية كأنها جرس إنذار للزوجين لتوقظهما من غفلتهما فيستعدا للآخرة
، وهي دار الحياة وهي دار الأمن والأمان ، فلا مشاكل للزوجين في الآخرة ، وإنما هي جنة عرضها كعرض السماوات والأرض ، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – " متى يرتاح المؤمن ؟ فقال: عندما يضع أول قدم بالجنة " .
فمن تذكر حقيقة الدنيا وعرفها حق المعرفة ، علم كيف يتعامل معها .
من كتاب " المشاكل الزوجية ...فوائدها وفن احتوائها
(1) تكفير الذنوب:
إذا نظر الزوجان إلى المشاكل الزوجية بهذا المنظار وكانا حريصين على التطهرمن ذنوبهما والتقرب إلى الله تعالى ، عرفا كيف يتعاملان مع المشكلة ، وينظران إليها على اعتبار أنها مساحة من مساحات ذنوبهما
، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما قال:" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخاري.
فكم من هم يصيب الزوجين ؟!
وكم من غم يصيبهما ؟!
وكم من حزن وأذى ؟! بسبب علاقتهما أو سوء فهم أحدهما للآخر أو بسبب الخلاف على نزهة أو نفقة أو تربية أبناء أو غير ذلك ؟! فكل ذلك فيه تكفير ومسح للذنوب..
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله ت عالة وما عليه خطيئة " رواه الترمزي،وقال: حديث صحيح – صحيح الجامع الصغير جـ 5/ 192 وهذه بشارة من الحبيب محمد بأن كل ما يصيب الزوجين في أنفسهما أو أولادهما أو أموالهما إنما هو تكفير لذنوبهما، وبشارة بأن يلقيا الله وما عليهما خطيئة،وقد نزلت آية في المهاجرين تبين أن ما مروا به من تقلببات الحياة ومعاناتها ، فيه مغفرة
، قال تعالى: ) للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم)سورة النحل/110.
وقد قال القرافي في الفتح:" المصائب كفارات جزماً سواء اقترن بها الرضى أم لا !ولكن إن اقترن بها الرضة عظم التكفير ، و إلا قل" فتح الباري لابن حجر جـ10/105.
ويبين هنا القرافي رحمه الله أن المصائب تكفر الذنوب ، وإن لم يتوفر معها الرضى بالقدر،ولكنه لو توفر لزاد التكفير وحو الذنوب .
(2) مضاعفة الأجر:
وكما أن المشاكل الزوجية تكفر الذنوب فكذلك هي تزيد في الحسنات والأجر وهذا ما أخبر به الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال:"من يرد الله به خيراً يصب منه"راوه البخاري .
ومعنى " خيراً " أي الأجر العظيم، ومعنى" يصب منه " أي يبتليه، ولهذا كان أشد الناس بلاء الأنبياء عليهم السلام وهم أرفع الناس ددرجات وأعظمهم أجراً ، وكل خلاف زوجي أو مشكلة عائلية، فإن الله تعالى يعطي للزوجين عليها الأجر العظيم ،
ونحن من كلامنا هذا لا نتمنى البلاء والمشاكل الزوجية، ولكن نريد أن نتعلم كيف نتعامل معها إذا جاءت بنفس راضية مطمئنة.
ولقد أكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا المعنى عندما سئل هل المصائب مكفرات أو مثيبات )
فقال إن كل ما تولد عن عمله الصالح " أي المسلم " من المصائب أثيب عليه، بخلاف المصائب التي لم تتولد عن عمله، فإنها مكفرات لا مثيبات " تسلية أهل المصائب لابن الجوزي/164 .
وهنا لفتة لطيفة حيث أكد رحمه الله أن كل ما تولد من المصائب عن عمل صالح فهي مثيبة أي ينال عليها الأجر، والعلاقات الزوجية كلها عمل صالح من كسب رزق واهتمام بالبيت وتربية الأولاد ،
وغيرها من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها الزوجان إذا استشعرا هذا المعنى .
(3) محبة الله:
إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه، ومن الابتلاء المشاكل الزوجية، ولو تتببعنا حياة الأنبياء، لرأينا أنهم قد ابتلوا بأسرهم، فمن آدم عليه السلام وابتلائه المشهور مع زوجته في الجنة وابنيه عندما قتل أحدهما الآخر
، إلى نوح عليه السلام وابتلائه مع زوجته وابنه، ثم ابراهيم عليه السلام وما ابتلاه الله تعالى به من أن زوجته سارة لم تنجب له الولد، فزوجته بهاجر ، ثم لو ط – عليه السلام وابتلائه بزوجته الكافرة ، فيعقوب عليه السلام وابتلائه في أبنائه ورميهم لشقيقهم يوسف عليه السلام في الجب
، ثم موسى عليه السلام ومعاناته الأسرية المعروفة مع أمه، وكيف أنه نشأ في بيت لا أب له فيه، ثم عيسى عليه السلام وقد جاء من أم بلا أب وذلك بحد ذاته فتنة وابتلاء، ثم محمدr ومواقفه مع زوجاته معروفة و واضحة، وما من أحد من بين الأنبياء والصالحين والصالحات على مر العصور إلا وابتلاهم الله تعالى لمحبته لهم .
وقد قال عليه الصلاة والسلام:" إن عظيم الجزاء مع عظيم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط ". رواه الترمزي وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير جـ 2/216.
فالله تبارك وتعالى إذا أحب الزوجين ابتلاهما ، ومن الابتلاء المشاكل الزوجية وذلك ليرفع درجتهما ويزيد من حسناتها ويكفر سيئاتهما فيجمعهما في الدنيا والآخرة في الجنات العلى،ولهذا قال الفضيل رحمه الله: " إذا أحب الله عبداً أكثر غمه ، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه " وفيات الأعيان لابن خلكان جـ4/48.
(4) للتأديب والتمحيص:
أحيانا ًيبتلي الله تعالة الزوجين ليختبرهما أو ليؤدبهما ، يصححا المسـار الزوجي بعد زوال المشكلة التي بينهما، كما قال تعالى: )وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص مـا في قلوبكم والله عليم بذات الصدور(.آل عمران/154.
فليقف الزوجــــان بعـد حـدوث البـلاء وقفـة محاسبـة للنفـس وتمحيـص للأعمـالوالتصرفات ، لأن الإنسان في هذه الدنيا يكون منشغلاً بها، وكأنه في سكرة لا يدري ما يدور حوله أو ما في نفسه ، فإذا نزل عليه البلاء أضطر لأن يقف ويلتف لذاته ويتحسس ما حوله هل كل شيء على مايرام ؟! أم أنه مقصر في شيء معين ؟!.
ولذلك ليقف الزوجان ويسألا أنفسهما عند حدوث مشكلة زوجية وزوالها
الأسئلـة التالية:
أ-هل استوى دعاؤهما لله قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
ب- هل استوى ذكرهما لله قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
جـ- هل استوت مراجعتهما لأنفسهما قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
د- هل استوت محاسبتهما لنفسيهما عن أعمالهما قبل المشكلة وأثناءها وبعدها أم لا ؟!
وأسئلة كثيرة لا يدري أهميتها ومنفعتها إلا من حرص على ذلك.
ولهذا نقول ما قاله الشاعر:
دوام الحال من قضايا المحال واللطف موجود على كل حال
وعــــادة الأيــــام معــــودة حرب وسلـم والليالـي سجـال
ثم يختم بقوله و لا يضق صــدرك مـن أزمــة ضاقت فصنع الله رحب المجال
وانظر بلطف العقل كـم كربـة فرجهـا لطفــاً كحــل العقـــــال
" وصايا تربوية /164 ".
(5) بسبب الذنوب
وقد تكون المشاكل الزوجية مما يبتلي به أحــد الزوجين بسـبب ذنـب أحدثــه في حياته، فتكون المشكلة الزوجية عقوبة لذلك الذنب ، وقد بين الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: ) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( سورة الروم/43.
يبين الله تعالىأن ما يصيب الناس إنما هو بسبب عملهم الفاسد ، وأن الله تعالى لا يقدر شيئاً عبثاً ، ولهذا فإن على الزوجين عند حدوث أي مشكلة زوجية بينهما ، أن يبادرا إلى التوبة والاستغفار ، لأنهما لا يعلمان لماذا ابتلاهما الله تعالى بهذه المشكلة
، هل تكفيراً لسيئاتهما أم زيادة في حسناتهما أم ذنب أحدثاه ؟ فإن كان بسبب ذنب فإن المشكلة ستذهب بعد حدوث التوبة النصوح ، وقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال :" إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده " .
ولهذا فإن المشاكل الزوجية تحدث أحياناً من عدم طاعة الزوجة لزوجها، لأن هذا ذنب أو من عدم تقدير الزوج لزوجته ، فهو يهينها ويحقرها ويضربها.. وكذلك هذا ذنب، أو من كسب الزوجين أو أحدهما ماله من الحرام ، فإن هذا ذنب كذلك وهكذا ، وكلما اقترب الزوجان من الله تعالى ، وتعبدا الله تعالى بعلاقتهما الزوجية كلما طرح
الله في علاقتهما البركة ورزقهما السعادة والهناء والاستقرار .
(7) الدفع للاستغفار:
إن الله تعالى يبتلي الزوجين من أجل أن يسمع دعاءهما ، فقد يكون الزوجان معرضين عن الله تعالى مقصرين في علاقتهما مع الله تعالى،والله يحب أن يسمع من عبده أنه محتاج إليه فيدعوه ويسأله ، فيسمع الله تعالى شكواه وتضرعه، وهذا ما أكده ابن الجوزية رحمه الله عندما قال: " والله تبارك وتعالى يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه وصبره ورضاه بما قضاه عليه " تسلية أهل المصائب/158 .
كما أن الله تعالى يقدر للزوجين المشكلة كي يستغفرا ربهما ويكثرا من التوبة ، ثم تزول المشكلة ويكون الزوجان قد خرجا منها من غير ذنوب وهذا شرف لهما
، ومثالنا على ذلك ما وقع فيه نبي الله تعالى يونس – عليه السلام – " حيث ِإنه لم يصبر على تكاليف الرسالة فضاق صدراً بالقوم وألقى عبء الدعوة وذهــب مغاضبــاً ، ضيـق الصـدر ، حـرج النفس، فأوقعه الله في الضيق الذي تهون إلى جانبه مضايقات المكذبين ، ولولا أن تاب إلى ربه وأعترف بظلمه لنفسه ودعوته و واجبه لما فرج عنه هذا الضيق ". طريق الدعوة في ظلال القرآن – أحمد فايز-/305 .
قال تعالى: )و ذا النـون إذ ذهـب مغاضبـاً، فظن أن لن نقدر عليه ، فنادى
في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين( .الأنبياء /87.
فليبنبه الزوجان لهذا المعنى وليكثرا من التضرع لله تعالى إذا حلت بهما مشكلة زوجية أو صدمة أسرية أو منحة عائلية.
(8) التذكير بحقيقة الدنيا:
ومن الفوائد الإيمانية للمشاكل الزوجية رؤية الزوجين للدنيا رؤية حقيقية، وذلك لأن الدنيا ليست دار قرار ولا دار متاع، وإنما هي دار بلاغ و وسيلة للآخرة . والأصل في الإنسان أن لا يطمئن إلى الدنيا فيفوت عليه التحصيل للآخرة ، ولهذا فإن المنغصات للحياة الزوجية كأنها جرس إنذار للزوجين لتوقظهما من غفلتهما فيستعدا للآخرة
، وهي دار الحياة وهي دار الأمن والأمان ، فلا مشاكل للزوجين في الآخرة ، وإنما هي جنة عرضها كعرض السماوات والأرض ، وقد سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – " متى يرتاح المؤمن ؟ فقال: عندما يضع أول قدم بالجنة " .
فمن تذكر حقيقة الدنيا وعرفها حق المعرفة ، علم كيف يتعامل معها .
من كتاب " المشاكل الزوجية ...فوائدها وفن احتوائها